القرضاوي لـ«المصري اليوم».. وللمرة الثالثة: موقفي من الشيعة لم يتغير.. ولن يتغير
حوار رانيا بدوي ١٢/ ١٠/ ٢٠٠٨
هل كان يعي الشيخ القرضاوي ما يفعل وما يقول؟! الإجابة نعم.. وهل بعد كل هذا الهجوم عليه، والذي لا يقل عن التأييد الذي حصل عليه، من الممكن أن يراجع نفسه ويعود، ولو تدريجياً، عما قاله في الحوار الذي أجريته معه في «المصري اليوم» يومي ٨ و٩ سبتمبر وكان سبباً في فتح ملف الشيعة والسنة للنقاش علي الملأ وليس في الغرف المغلقة؟ الإجابة لا.
أعتقد أن قيمة هذا الحوار، المشار إليه سابقاً، لا ترجع فقط إلي ما فجره من جدل بين السنة والشيعة، أو حتي كونه يحذر من مد شيعي واختراق إيراني للخليج ومصر وكل الدول العربية - علي لسان الشيخ القرضاوي - إنما قيمته الحقيقية أنه أعاد فرز تصنيف المجموعات والجماعات والدول والأنظمة علناً وليس في السر، فمن مع إيران أعلنها صراحة،
ومن ضدها أعلنها أيضاً بكل وضوح، وحتي من اكتفوا بالصمت أعلنوا موقفهم صراحة بصمتهم.. في محاولة لإعلان المواقف ومع أي جانب نقف، في مرحلة يري البعض أنها ستقسم قريباً، بل وكشف الحوار عن خلاف سني سني حول الملف السني الشيعي، واتفاق شيعي شيعي نحو الملف نفسه.
مازال النقاش بيني وبين فضيلة الشيخ القرضاوي مستمراً حول الموضوع نفسه وبعد اطلاعي علي الحرب الكلامية وزخم المقالات الذي نشر في الصحف العربية وعلي مواقع القنوات الإخبارية والتحليلات التي نشرت في «الجارديان» و«النيوزويك» عدت إليه وحملت له بعض الملاحظات والأسئلة:
* هل مازلت مصراً علي الموقف نفسه، أم أنك ستعيد النظر فيما قلت عن الشيعة وعن المد الشيعي، خاصة بعد كل هذا الهجوم عليك من قبل بعض الشيعة بل وبعض السنة؟
- نعم، مصر علي موقفي ولن أغيره، لأنني مؤمن بما قلت، ولا سبيل لتبديل رأيي، ولن أغضب الله لأرضي الناس.
* لكن البعض يقول إنه لا يوجد مد شيعي، وإنك بالغت في الأمر؟
- ليس مبالغة، والدليل أنهم أنفسهم اعترفوا به.. ارجعي إلي بيان وكالة «مهر» الإيرانية، التي ردت علي معترضة علي ما قلت، ستجدينها تقول: «إن هذا المد من معجزات آل البيت»، أي أنهم لم ينكروا هذا المد،
بل ونسبوه إلي معجزات «آل البيت»، حتي آية الله تسخيري اعترض علي لفظ «تبشير» شيعي، وأراد أن يتم استخدام كلمة تبليغ، وهذا يعني أنه اعترض علي اللفظ ولم يعترض علي مضمون ما قلت من سعي قوي ومد شيعي.
ومن نظر إلي البلاد السنية الخالصة التي لم يكن فيها أي وجود شيعي من قبل، مثل: مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، وجد فيها ناساً يعلنون عن تشيعهم، ويدعون إليه، وهذا دليل من الواقع.
* بماذا تفسر نقد أصدقائك لك ولما قلت، فقد كتب فهمي هويدي مقالاً بعنوان: «أخطأت يا مولانا!» وتضامن معه في الرأي الدكتور سليم العوا والمستشار طارق البشري وغيرهما؟!
- آسف لهذا جداً.. فهم أصدقاء لي، ولكنهم مفتونون بثورة إيران ومنجزاتها، وقرأوا الدين في ضوء السياسة.. والفتنة إذا لبست بعض الناس أعمت أعينهم عن رؤية الحقيقة مجردة، والتبست عليهم الأصول بالفروع، ولم يجدوا فرقاناً يميزون به بين المتشابهات، فيقعون في أخطاء فاضحة،
ولهذا كان من الدعاء المأثور: «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه»، وقولهم: «اللهم أعذنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن».
ومن العجيب أن المفتون يقع في الخطأ ويري غيره هو المخطئ، كما رأينا أهل الأهواء من الخوارج والمعتزلة والمرجئة والشيعة يرون أن أهل السنة هم المبطلون، وأنهم علي الحق الكامل!
وحين تنقشع الفتنة تزول الغشاوة من فوق الأعين، وعندئذ تُري الأمور علي حقيقتها.
* اتهمك البعض بأنك تثير الفتنة بين الأمة الإسلامية بعد سنوات من محاولة التقريب التي كنت أشد المؤمنين بها؟
- بالعكس، أنا أحمي الأمة الإسلامية من فتنة أكبر وحرب كبري، فما يجري في العراق من فتنة وقتل للسنة من قبل الشيعة، ودخول حزب الله بالسلاح إلي بيروت وإطلاق النار علي السنة في الشوارع في أحداث لبنان الأخيرة، وما يجري في اليمن وتشييعهم لمجموعة من الزيدية، وهم شيعة أصلا، ولكن كانوا معتدلين من قبل، لذا أحاول أن أقي باقي المجتمعات السنية من حمي الصراع والتقاتل، إذا ما دخلها الشيعة.
* أحد الكتاب في مقاله ألقي باللوم عليك وحملك مسؤولية التفجيرات التي حدثت في الحسينية مؤخراً في العراق؟
- هذا كلام فارغ، فالاغتيالات في العراق حدثت وتكررت مرة واثنتين وعشر ومائة، ولاتزال تحدث يومياً في العراق، فلماذا الآن ينسبونها لي؟!
* يقولون إن الأمور كانت قد هدأت مؤخراً في العراق، وإن تصريحاتك جاءت لتؤجج الموقف وتجعل السنة يتورطون في تفجيرات ضد الشيعة؟
- غير صحيح، لأن الاغتيالات والفتنة في العراق لم تنته.. وهذا ما أخاف منه، أن ينتقل ما في العراق إلي الدول المقفلة علي السنة، ووقتها ستكون المصيبة كبيرة.
قبل اتصالي بالدكتور القرضاوي علمت أنه يتم الآن التحضير لمهرجان لمناصرة الشيخ القرضاوي، وقد نشر بعدها الخبر مباشرة في جريدة «الوطن» السعودية، بل وأعيد نشره علي موقع الشيخ القرضاوي، مفاده أنه سيعقد في شيراتون دولة قطر بعد أن وافقت ست شخصيات مرموقة من خارج قطر علي المشاركة في المهرجان.
وأن في مقدمة الذين أبدوا موافقتهم الفعلية علي الحضور كلاً من الشيخ محمد علي التسخيري، مستشار الرئيس الإيراني، ود. عصام أحمد البشير، وزير الإرشاد والأوقاف السوداني، ود. محمد سليم العوا، المفكر والقانوني المصري، والشيخ عبدالله بن بيه، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من موريتانيا،
والشيخ فيصل الملوي، رئيس الجماعة الإسلامية من لبنان، والأب أنطوان ضو، من رجال الدين المسيحي بلبنان.. كما أن عمدة لندن سيوجه كلمة للمهرجان عبر الأقمار الصناعية، يعلن فيها تضامنه مع د. القرضاوي ضد الهجمة الإعلامية التي يتعرض لها من كتاب وصحفيين غربيين.
وكانت الجملة الأخيرة سبب توقفي.. فهل المقصود بهذا المهرجان في هذا التوقيت بالذات الظهور للإعلام بأن السنة والشيعة يد واحدة في وجه الاعتداءات الغربية، وأنه لا خلاف بين القرضاوي وتسخيري علي إثر ما قاله القرضاوي لـ«المصري اليوم» وأغضب تسخيري، المفاجأة كانت في إجابة الدكتور القرضاوي.
* هل فعلاً يتم تحضير مهرجان لمناصرتك في الدوحة؟
- لا ليس مهرجاناً لمناصرتي، إنما هو دعوة لمجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي كان مقررًا عقده في بيروت، إلا أنه تغير وتقرر عقده في قطر، وبالطبع سنطرح فيه عدداً من الأمور التي تهم المسلمين، وسنتطرق بالطبع لموضوع المد الشيعي الذي طرحته لنتخذ فيه قراراً.
* ولماذا يتم الترويج له علي أنه مهرجان للمناصرة وتأييد لك، ومن قام بهذا؟
- لا أعرف.
* ماذا لو أن الطرف الشيعي لم يتوقف عن ممارساته واستمر فيها من مد واختراق.. هل ستعلن توقف تقريب المذاهب؟
- بكل تأكيد.. فلو استمروا في ممارساتهم ولم يتراجعوا عنها بوضوح، سأعلن التوقف عن مشاركتي في التقريب بين المذاهب، لأنه في هذه الحالة سيكون لا معني له.. فأنا أري أن التقريب الآن علي المحك، وقد أعلنت ذلك في مؤتمر الدوحة يناير ٢٠٠٧م، إذا لم يتوقفوا عن اختراق البلاد السنية.
* ما رد فضيلتكم علي ما قالته وكالة أنباء «إباء» عن أن سبب ما صرحت به عن الشيعة يأتي نتيجة غضب شخصي بسبب تشيع ابنك عبدالرحمن؟
- هذا كلام فارغ لا أساس له من الصحة، يحاولون به الابتعاد عن الموضوع الأصلي، وقد أعلنت موقفي بصراحة في مؤتمر الدوحة الذي أشرت إليه، وقد غضبوا من موقفي، وأعلنوا علي الحرب من يومها، وسموني (الشيخ الطائفي)، وما كنت يوماً - ولن أكون - طائفياً، أنا للأمة كلها.
حقيقي ابني عبدالرحمن من أشد المعجبين بحسن نصرالله كنموذج للمقاومة، وقد دعوه إلي الجنوب أكثر من مرة، وأصدر ديواناً أهداه إلي المقاومة، ولكن هذا لا يعني أنه تشيع، فالدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، والدكتورة هبة رؤوف وغيرهما زاروا الجنوب، وأشادوا بالمقاومة،
فهل يعني هذا أنهم تشيعوا؟ ابني علي المذهب السني وما يقولونه افتراء، علي أني أقول: إن كل أبناء السنة أبنائي وفلذات أكبادي، وفتنة أي واحد منهم عن عقيدته تؤلمني وتقلقني كابني من صلبي تماماً.
* فضيلة الدكتور.. هل تعادي الشيعة؟
- أنا لا أعادي أحداً رضي بالله تعالي ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً ورسولا، وبالقرآن إماماً ومنهاجًا، وصلي إلي القبلة، ولكني أقاوم بلساني وقلمي وجهدي كل من يحاول فتنة أبناء السنة عن عقيدتهم، لأني أعتبرهم الفرقة الناجية، والممثلة للاتجاه الحق بين المختلفين من أبناء الأمة.
ومن فضل الله تعالي ورحمته أن الحديث الذي ذكر افتراق الأمة إلي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، نسب جميع الفرق إلي الأمة، حين قال: «ستفترق أمتي». ولهذا لا أحكم بالكفر علي هذه الفرق،
إلا بيقين لا يحتمل الشك، وهذا ما تعلمناه من الإسلام. «.... ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم». (الحشر: ١٠).
* في رأيك لماذا تخلفت جماعة الإخوان المسلمين حتي الآن عن إعلان موقفها الرسمي كجماعة مهمة ومؤثرة في مصر من تصريحاتك.. ولماذا في رأيك التزمت الصمت؟
- لا تعليق.
* بماذا تفسر مبادرة رئيس حكومة غزة إلي توجيه رسالة إلي مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي وإلي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ضمنها ابتهالاً إلي الله أن يحفظهما، متمنياً أن يصليا «صلاة الخلاص» في القدس الشريف.
رغم أنك أيضاً من أكثر المناضلين في القضية الفلسطينية والحاضنين لها.. حتي إن بعض المحللين قالوا إن خطاب هنية كان نكاية في الشيخ القرضاوي، وكان بمثابة تحديد لموقفه بأنه ينحاز إلي الجانب الإيراني في توقيت ستقسم الساحة فيه عن قريب؟
- لا تعليق